رحلة مع علم الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

في العام الدراسي الأول، تكون الدراسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية “دراسة عامة للأساسيات”، أي أن الطالب يدرس مبادئ كل التخصصات—مبادئ العلوم السياسية، مبادئ الاقتصاد، مبادئ الاحصاء، إلخ…
وبعد هذا العام، يجد كثيرٌ من الطلاب أنفسهم في حيرة عند اختيار التخصص الرئيسي. الاقتصاد، العلوم السياسية، أم الاحصاء؟ عادةً ما تكون الحيرة بين الاقتصاد والإحصاء—لقربِهما “نظريًا” من بعضهِما البعض.
قبل أن أبدأ في الحديث عن القسم، أود وضع بعضٍ من السياق عن خلفيتي التعليمية.
مقدمة شخصية
تجربتي مع الرياضيات–بشكلٍ عام–منذ الابتدائية وحتى الثانوية كانت أشبه بعلاقة الزيت والماء—لا يختلطان. لا أدرى هل كان تقصيرًا مني، أم أن دروس الرياضيات كانت تُقدم وكأنها شيفرات سرية لا يفكها إلا من تدرب في الـCIA؟
لذلك، عندما حان الوقت، “هربت” بعيدًا عن الرياضيات بعد الصف الأول الثانوي، وكان ما تبقى منها في الصف الثاني بسيطًا–أم كان هذا أثر أ/ أحمد الفواخري (مُعلِم الرياضيات على يوتيوب)؟ لن نعلم أبدًا–ومر بسلام.
صدق أو لا تصدق، عندما وضعت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية رغبة أولى في التنسيق، لم أكن أعلم من الأساس عن وجود قسم للإحصاء! وبعد علمي به؟ لم يتغير موقفي: سأتخصص بالاقتصاد.
بعد الفصل الدراسي الأول، وحصولي على تقدير “جيد” في مادة مبادئ الرياضيات و”جيد جدًا” في مبادئ الإحصاء (1)، كانت الصورة تبدأ في الوضوح: لا مكان لي في عالم الأرقام.
ثم أتى الفصل الدراسي الثاني، قررت مُذاكرة مادة مبادئ الإحصاء (2) بطريقة مختلفة وأكثر جدية—حتى يكون قرار التخصص أكثر عدالةً ووضوحًا.
في صيف 2023، بعد انتهاء الفصل الدراسي الثاني وحصولي على تقدير “امتياز” في مبادئ الاحصاء (2)، تغيرت الأوضاع جذريًا. وجدت نفسي أقف في مفترق طرق بين التخصصين. خلفيتي الأدبية–إضافةً إلى السهولة النسبية للمواد الدراسية–تقودني إلى قسم الاقتصاد، بينما طموحي والرغبة في تحدٍ جديد يُصرون على قسم الاحصاء—على الرغم من التخوفات المحيطة بالتخصص، والتي سأناقشها باستفاضةٍ لاحقًا.
قضيتُ أشهر الإجازة الصيفية في قلقٍ وحيرةٍ من أمري. فإن اختيار التخصص، الذي كان أمرًا مفروغًا منه، أصبح شغلي الشاغل ليلًا ونهارًا—ما بين البحث والسؤال. لذلك، أدعوك إلى قراءة مستخلص رِحلتي البسيطة، وما كنت أتمنى أن أكون على عِلمٍ بِهِ في تلك المرحلة “الفيصلية”.
ماهو علم الاحصاء، فعلًا؟
عندما تقرأ أن “الإحصاء هو علم يهتم بجمع وتنظيف وتحليل البيانات للتوصل إلى قرارات”، أو عندما تبحث عن “قسم الإحصاء” في محركات البحث وكل ما تجده مقالات أشبه بمجرد نسخ-لصق من أوراق تعريفية أو وصف إداري جاف، مثل:
“قسم الإحصاء يهدف إلى تأهيل الطالب ليكون قادرًا على…”
وما إلى ذلك—جميل، لكنها حتمًا لا تُجِب عن السؤال الأهم:
“ايه الاحصا دي برضو؟”
عِوضًا عن الوصف والسرد الخام لمواد القسم–التي يمكنك العثور عليها على الموقع الرسمي للكلية–دعني أوضح لك طبيعة علم الإحصاء بثلاث أمثلة مختلفة، في مجالات: كرة القدم، الطب، والحرب العالمية الثانية.
مثال (1) : كرة القدم: ليستر سيتي
الفريق الذي فاز بالدوري الإنجليزي الممتاز ذات موسمٍ وكأنّه يستعير حبكة من قصص الخيال، لم يكن سحره في مهارة فردية أو استثمار ضخم، بل في أدوات تحليلية ترصد مجهود اللاعب: احتمالية إصابته، وتأثيره الحقيقي في سير اللعب. لم يكن نغولو كانتي مجرّد صفقة ذكية، بل ثمرة تحليل إحصائي رأى ما لم تره “الأعين الكروية” المعتادة.
بعدها بسنوات، جاء ليفربول ليُثبت أن علم الإحصاء لا يخدم المعجزات وحدها، بل يصنعها. تحت قيادة فريق تحليلي يقوده دكتور فيزياء، إيان جراهام—لا مدرب كرة—تحوّل التحليل الإحصائي من دور استشاري إلى قلب القرار. انتقال محمد صلاح، مثلًا، لم يكن “حدسًا” أو “لقطة”، بل ناتجًا عن نموذج توقّع معدّل مساهمته التهديفية بدقّة تتجاوز أرقام السوق.
تمامًا كما فعل ليستر وليفربول في كرة القدم، أو كما حكى فيلم Moneyball عن ثورة مشابهة في عالم البيسبول: كانت الإحصاء هي البطل الصامت.
مثال (2) : الطب
في الخمسينيات، كان التدخين عادةً أنيقة، لا تهمة. تُشاهد السيجارة في يد الممثل، على مكاتب الأطباء، وحتى في إعلانات الأطفال! كان السؤال الذي يخشاه الجميع:
هل تسبّب السجائر السرطان فعلًا؟
لم يكن بالإمكان الاتكال على الآراء وحدها. هنا، دخل الإحصاء كما يدخل المحقق المسرح: صامتًا، لكنه حاسم.
قام العالمان ريتشارد دول وبرادفورد هيل بتتبع أكثر من 40 ألف طبيب بريطاني، سنواتٍ طويلة، سجّلوا عاداتهم في التدخين، وراقبوا من منهم سيمرض، ومن لن ينجو…
النتائج لم تكن قابلة للتهرّب: المدخنين يُصابون بسرطان الرئة أكثر، ويموتون أسرع. الفارق صارخ، والأرقام لا تُهادن.
في تلك اللحظة، لم يعد بالإمكان التظاهر. لم يكن أحد يهتف في الشوارع، لكن الإحصاء كان قد أطلق حكمه.
ومنذها، بدأ العالم ينقلب: من المستشفيات إلى الحملات الصحية، تغيّر كل شيء.
لم يُطلق الإحصاء رصاصة، لكنه قتل وهمًا جماعيًا.
مثال (3) : الحرب العالمية الثانية
بينما كانت السماء تمطر قنابل، والخرائط تتغير كل يوم، كانت المعركة الحقيقية تدور خلف الأبواب المغلقة لمكان يُدعى بلتشلي بارك. هناك، رجل شاب بلا سلاح، يدعى آلان تورنغ، جلس أمام آلة كاتبة، ليحاول إنقاذ العالم… بالأرقام.
ألمانيا كانت تعتمد على آلة “إنجما” لإرسال رسائل مشفّرة. لا أحد استطاع كسرها: الشيفرة تتغير كل يوم، وملايين الاحتمالات تعوق كل محاولة. لكنها لم تكن صعبة على العقل.
بدأ تورنغ وفريقه باستخدام أدوات الإحصاء لاختراق العشوائية. تكرارات الكلمات. أنماط التوقيت. الاحتمالات التي لم يرها أحد.
وفي أحد الأيام، اخترق الضوء الظلام. الرسائل بدأت تُفهم. مواقع الغواصات كُشفت. سفنٌ تغيّر مسارها في اللحظة الأخيرة. جيوش تتحرك قبل فوات الأوان.
قيل إن هذا العمل السرّي قصّر الحرب بما لا يقل عن عامَين، وأنقذ مئات الآلاف من الأرواح.
كل ذلك… بدأ بسؤال إحصائي:
“ما احتمالية أن تبدأ كل رسالة بنفس الكلمة؟”
في الحرب، أحيانًا تكون الأرقام هي السلاح.
في حياتنا اليومية، لنفترض أنك مالك متجر صغير، ولاحظت أن الزحام يزداد في أيام معينة، وفي ساعات معينة. عوضًا عن التعامل “بالإحساس”، تستطيع استخدام الإحصاء حتى تعرف أي يوم بالفعل يكون أعلى مبيعًا، ومتى تقوم بزيادة عدد الموظفين، أو تعرض خصم في وقت الركود. حينها تتخذ قراراتك، ليس فقط بناءً على الإحساس، بل مستندًا إلى حقائق وأرقام واضحة.
من الجميل أن كثيرًا من العلوم إما نظرية بحتة (كالفلسفة) أو تطبيقية بحتة (كالبرمجة)، لكن الإحصاء يقف بينهما في المنتصف. فهو يبدأ من النظرية—منطق الاحتمالات، التوزيعات، الفرضيات—ثم يُنزل كل هذا إلى واقع مليء بالضجيج والشك والتقلبات.
باختصار، هو فن تحويل الفوضى إلى معلومات مفهومة
ردًا على الاسئلة الشائعة
في هذا الجزء، نرد على أهم الأسئلة المحيطة بعلم وقسم الإحصاء، خاصةً من وجهة نظر طالب الثانوية العامة أو السنة الجامعية الأولى.
س: “ايه الفرق بين الإحصاء والرياضيات؟”
ج: الرياضيات هو العلم الرئيسي الذي تفرع منه الإحصاء، لكنهما ليسا نفس الشيء. الرياضيات دائمًا ما تسعى إلى الدقة اللامتناهية والإثبات. أما الإحصاء يتعامل مع الواقع الذي غالبًا ما يكون فوضوي وغير كامل. فالإحصاء هو محاولة لتطبيق الرياضيات على السلوك البشري، الظواهر الاجتماعية، والبيانات التي عادةً ما تكون غير مكتملة، في محاولة إلى التعميم على المجتمعات المدروسة.
على سبيل المثال:
في الرياضيات، توجد معادلة الخط المستقيم
y = mx+b
وهي تصف علاقة مثالية وثابتة بين متغيرين، بدون أي استثناءات أو أخطاء. كل نقطة على الخط تمثل تنبؤًا دقيقًا 100%.
لكن في الإحصاء، نتعامل مع بيانات حقيقية—بيانات فيها تشتت وضوضاء، وأحيانًا تكون ناقصة. لذلك نستخدم معادلة شبيهة، وهي:
y = mx+b+ε
الفرق هنا هو وجود ε (تُنطق: إبسيلون)، وهو يمثل الخطأ أو الفرق بين القيم المتوقعة والحقيقية.
الخط المستقيم في الرياضيات يمثل “ما يجب أن يكون”، لكن خط الانحدار في الإحصاء يمثل “أقرب ما يمكن أن يكون” وسط كل فوضى البيانات.
مثال تطبيقي بسيط: إذا لاحظت أن كلما زادت عدد ساعات مذاكرتك، تزدد معها درجاتك—فتلك علاقة واضحة. لكن هل كل مرة تذاكر 5 ساعات تحصل على نفس الدرجة؟ لا، لأن هناك عوامل أخرى مؤثرة: إرهاق، نوع الامتحان، حالتك النفسية… وهذا بالضبط دور الإحصاء، أنه يأخذ كل “المتغيرات” في اعتباره ويحاول يُنتِج أفضل تقدير ممكن.
س: “هل لو أنا مش بحب/مش شاطر في الرياضيات، ممكن أنجح في الإحصاء؟ القسم فعلاً صعب؟”
ج: حقيقةً، مدى قدراتك الرياضية ليس مؤشرًا كافيًا على إمكانية نجاحك في القسم. كثيرٌ مِن مَن تفوقوا في القسم لم يكونوا بالضرورة متفوقين في الرياضيات. الإحصاء يعمل على نقاط مختلفة بعض الشيء، ويعتمد أكثر على التفكير النقدي والربط بين الأرقام والمعنى. القسم ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيل. قسم إحصاء هو قسم “النفس الطويل”، أي أنه يحتاج إلى الحضور بانتظام، المذاكرة أولًا بأول وعدم المراكمة، إضافةً إلى توزيع الجُهد المبذول.
خاصةً إذا دخلت بصدرٍ مفتوح واستعداد للتعلم بإستمرار، في مجالٍ يتطور يومًا بعد يوم.
س: “ايه فرص الشغل من إحصاء؟”
ج: فرص العمل من قسم الإحصاء أصبحت أعلى من أي وقتٍ مضى. تحليل البيانات، أبحاث السوق، الإحصاء الطبي، الذكاء الاصطناعي، شركات الاتصالات، البنوك، مراكز اتخاذ القرار، وحتى في التسويق. ببساطة، أي مكان توجد بِه بيانات… يحتاج إلى “مختص بيانات”.
س: “طيب لو أنا مش عايز أشتغل حاجة تقنية.. الإحصاء ممكن يفيدني؟”
ج: نعم. توجد مجالات عديدة تحتاج متخصصي إحصاء حتى إذا لم يكن. مثل تحليل السياسات العامة، التخطيط الاقتصادي، دراسات الجدوى، استشارات الأعمال، التعليم، والصحافة البيانية. الميزة الأساسية لخريجي إحصاء هي فهمهم للأرقام وقدرتهم على شرح ما تحمله من معنى، وهذا يمنحك القوة في عدة مجالات.
س: “في مشاريع وفرص تدريب كويسة وأنا طالب؟ ولا هستنى لحد ما أتخرج؟”
ج: الكلية توفر فرص تدريبية باستمرار في جهات حكومية عِدة—مثل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إضافةً إلى تدريبات البنوك. أغلبية مواد القسم توجد بِها مشاريع تطبيقية على المحتوى النظري (مثل تحليل الانحدار، وتحليل السلاسل الزمنية، والاقتصاد القياسي). لكن نقطة القوة الحقيقية تنبع من استغلالك لتلك المهارات في العمل على مشاريع خاصة بِك بعيدًا عن متطلبات الكلية. ادمج الإحصاء مع أي هواية تُحِبُها، ستجد نفسك لست فقط تعمل ما تحب—لكن تصنع ما يميزك عن غيرك، وما لم يمكن أن يكون إلا من سِواك.
ماذا يمكن أن تفعل بهذا العلم؟
ما يميز قسم الإحصاء عن غيره من الأقسام هو طبيعة المواد التي يدرسها الطالب، لا سيما في العامين الثاني والثالث. فدراستك لنظرية الاحتمالات، وحساب التفاضل والتكامل، والجبر الخطي—تلك المواد البحتة والمجردة—تمنحك أساسًا نظريًا قويًا، لا ينفعك في علم الإحصاء وحده، بل يمتد أثره إلى مجالات أوسع وأكثر تطورًا، مثل علم البيانات (Data Science)، وتعلُّم الآلة (Machine Learning)، والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence).
ربما سمعت من قبل عن خوارزميات التوصية في “نتفليكس”، أو تحليل الآراء في “تويتر”، أو حتى النماذج التي تتنبأ بأسعار الذهب أو العملات. جميع هذه التطبيقات تبدأ من سؤال بسيط: “ماذا تخبرنا البيانات؟” وهنا يظهر دور الإحصاء. فمعظم النماذج الذكية التي تُستخدم اليوم تعتمد في جوهرها على مفاهيم إحصائية مثل: الانحدار، والتوزيعات الاحتمالية، والانحراف المعياري. وكلما ازداد فهمك للبنية الإحصائية لهذه النماذج، زاد فهمك لطريقة “تفكير” الآلة ذاتها.
ليس هذا فحسب، بل إن دراسة الإحصاء تُنمّي لديك مهارة حلّ المشكلات. فأنت تتعامل باستمرار مع معطيات ناقصة، أو مشوشة، أو غير مكتملة، وتُدرّب نفسك على أن تستخلص منها أنماطًا وقواعد. ومع الوقت، تتطوّر لديك مهارة ثمينة: طرح الأسئلة الصحيحة، قبل محاولة إيجاد الإجابات.
إذا كنت من أولئك الذين يحبّون فهم العالم من حولهم، فالإحصاء سيفتح لك أعينًا جديدة. ستبدأ برؤية الأرقام وراء الإعلانات، ووراء الأخبار، ووراء استطلاعات الرأي. سترى كيف تُستخدم الأرقام لإقناعنا، أو أحيانًا… لخداعنا.
تعلمك للإحصاء يعني أنك ستصبح أقل قابلية للانخداع وأكثر قدرة على التفكير النقدي.
الإحصائي-الرياضي جون توكي قال ذات مرة: “
“أفضل شيء في كونك إحصائيًا هو أنك تحصل على فرصة اللعب في الفناء الخلفي للجميع”
ولأن أدوات الإحصائي قابلة للتطبيق في مجالات لا تُعد ولا تُحصى، فإن الفرص المهنية التي تنتظر خريجي هذا التخصص ليست محدودة، بل تتنوع بتنوّع القطاعات. في الفقرة التالية، نأخذك في جولة سريعة بين هذه المسارات.
وماذا عن سوق العمل؟
“هشتغل ايه بعد ما أتخرج؟ ايه المسمى الوظيفي؟”
سؤال بسيط، لكنه يُلازم طلاب قسم الإحصاء في كل المراحل؛ يطرق أذهانهم وهم يُذاكرون، ولا يُفارقهم حتى بعد التخرج. ربما سمعته يتردد بين أروقة الكلية، أو وجدته يتسلل إليك في لحظة قلق وأنت تتساءل: “لِمَ أدرس هذا التوزيع الاحتمالي؟ وأين سأستخدمه في الواقع؟“
ما يُزيد هذا الارتباك أن مجال البيانات يُعَدّ من أكثر المجالات التي تشهد “تشويشًا” في المسميات الوظيفية. قد تجد من يُمارس ما درستَه بالحرف، لكن يُطلق عليه “محلل بيانات (Data Analyst)“، وآخر يُسمى “إحصائي (Statistician)“، وثالث يُعرّف نفسه كـ”عالِم بحوث—(Research Scientist)”وجميعهم يتعاملون مع البيانات بنفس الأساليب!
الحقيقة أن هذا المجال حديث نسبيًا، ولا يزال يتشكل ويتطور. ولهذا، تختلف المسميات من شركة لأخرى، ومن بلد لآخر. لكن على الرغم من هذا التباين، هناك أنماط وظيفية واضحة، وقطاعات متعددة تبحث عن من يمتلك عينًا إحصائية دقيقة وفهمًا رياضيًا عميقًا.
“البيانات هي النفط الجديد”، كما قال كلايف هامبي. وهي كذلك فعلًا؛ إذ تعتمد عليها الشركات—صغيرة كانت أو عملاقة—لاتخاذ قرارات أذكى، وقياس الأداء، وفهم سلوك العملاء.
في الجزء التالي، سنستعرض عددًا من المسميات الوظيفية التي قد تجد نفسك فيها، مع أمثلة حقيقية وروابط لوظائف فعلية، حتى تتكوّن لديك صورة أوضح عن خريطة السوق، وما الذي ينتظرك فيه.
- محلل بيانات (Data Analyst): يجمع البيانات من مصادر متعددة، ينظفها، ويحللها لاستخلاص رؤى تفيد في اتخاذ القرار.
المهارات: Excel, SQL, Python/R, Power BI/Tableau، بالإضافة إلى فهم للإحصاء الوصفي والاستدلالي.
وظائف محلل بيانات على LinkedIn - عالِم بيانات (Data Scientist): يستخدم النماذج الإحصائية ونماذج تعلم الآلة لتحليل البيانات والتنبؤ بالمستقبل.
المهارات Python/R, Machine Learning, Mathematics and Statistics, SQL, Big Data Tools.
وظائف عالِم بيانات على LinkedIn - محلل ذكاء أعمال (Business Intelligence Analyst): يربط بين البيانات والأهداف التجارية، وينشئ تقارير ولوحات تحكم (Dashboards) لدعم الإدارات.
المهارات: SQL, Power BI/Tableau, Data Modeling، مع فهم متعمق لل
وظائف محلل ذكاء أعمال على LinkedIn - مهندس تعلم الآلة (Machine Learning Engineer): يبني نماذج تعلم آلي ويهيئها للإنتاج (deployment) ضمن أنظمة حية مباشرة.
المهارات: Python (Scikit-learn, TensorFlow, PyTorch), Data Structures and Algorithms, Software Engineering Basics, MLOps.
وظائف مهندس تعلم الآلة على LinkedIn - إحصائي (Statistician): يختبر الفرضيات، يصمم الدراسات، ويستخلص نتائج قابلة للتعميم باستخدام أساليب إحصائية متقدمة.
المهارات: R/SAS/SPSS/STATA/Python, Experimental Design, Sampling and Inference, Statistical Modeling.
وظائف إحصائي على LinkedIn - مهندس بيانات (Data Engineer): يُنشئ بنية تحتية للبيانات تُسهِّل على الآخرين تحليلها. مسؤول عن أنظمة ETL وتدفق البيانات.
المهارات: SQL, Python/Scala/ Airflow, Spark, Hadoop, Databases and Warehouses.
وظائف مهندس بيانات على LinkedIn - محلل كمي (Quantitative Analyst): يعمل غالبًا في القطاع المالي ويطور نماذج تنبؤية وتحليل مخاطر باستخدام أدوات رياضية معقدة.
المهارات: Python/R, Finance & Risk Modeling, Monte Carlo Simulation.
وظائف محلل كمي على LinkedIn - مساعد باحث/باحث بيانات (Research Assistant / Data Researcher): يساعد في إعداد الدراسات وتحليل البيانات في المجال الأكاديمي أو الصناعي.
المهارات: SPSS, R, Excel, Quantitative & Qualitative Research, Writing & Reporting.
وظائف مساعد باحث على LinkedIn - محلل بيانات طبية (Healthcare Data Analyst): يطبق علم الإحصاء على بيانات طبية لمساعدة المستشفيات أو شركات الأدوية على تحسين نتائج المرضى.
المهارت: Biostatistics, R/Python, EHR Systems, Writing & Reporting.
وظائف محلل بيانات طبية على LinkedIn - محلل اقتصادي/محلل سياسات (Econometrician/Policy Analyst): يستخدم النماذج الإحصائية لتحليل تأثير السياسات العامة أو التغيرات الاقتصادية.
المهارات: Econometrics, STATA/R, Causal Inference, Writing & Reporting.
وظائف محلل سياسات على LinkedIn
هذه فقط أمثلة على سبيل لا الحصر. يمكنك البحث عن هذه المسميات على LinkedIn أو مواقع التوظيف مثل Forasna أوWuzzuf، لتأخذ فكرة عملية عن نوعية المهام ومتطلبات كل وظيفة.
دعوة للبحث والتفكير
في النهاية، لا أحد يستطيع أن يختار هذا الطريق نيابةً عنك. فكّر في نفسك قليلًا: هل تستمتع بتحليل الأشياء؟ هل ترى في الأرقام منطقًا؟ هل يثيرك اكتشاف نمط خفي وسط فوضى عارمة؟ إن كان الجواب نعم، فربما يكون الإحصاء هو اللغة التي يفكّ بها عقلك شيفرة العالم. في زمنٍ تتحدث فيه البيانات بصوت أعلى من أي وقتٍ مضى، يصبح الإحصاء هو الأداة التي نقرأ بها الحاضر ونستشرف بها المستقبل. ليس قسمًا جامعيًا فحسب، بل طريقة في التفكير… وعدسة ترى بها الواقع، لا كما يبدو، بل كما هو فعلًا. فاختر هذه العدسة إن كنت مستعدًا لتفهم العالم، لا لتشاهده.
اختتم تلك الرحلة قائلًا:
“الإحصاء علمني أن العالم ليس كما يبدو… بل كما تُظهره البيانات. فماذا سيعلّمك تخصصك؟“
قراءات مقترحة
● علم الإحصاء: مقدمة قصيرة جدًّا
The Art of Statistics: How to Learn from Data – by David Spiegelhalter ●
Naked Statistics: Stripping the Dread from the Data – by Charles Wheelan ●
عن الكاتب

التواصل مع الكاتب
الموقع الشخصي: https://ezzio.vercel.app/
البريد الالكتروني: ezzeldinahmad96@gmail.com
الهاتف: 01226566818